ثم النوع الثالث من أنواع التوسل: هو التوسل البدعي، وقد عرفنا التوسل الشرعي، وعرفنا التوسل الشركي، والثالث هو: التوسل البدعي.
التوسل البدعي هو أن يكون المدعو هو الله، لكن يدعى الله تبارك وتعالى بغير ما شرع، فلا يدعو الله بأسمائه الحسنى أو بالأعمال الصالحة، ولكن يدعو الله فيقول: اللهم إني أسألك برسولك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أسألك بفلان، أو بحق فلان، أو بجاه فلان، وكثير من الناس يقولون: بجاه محمد أو بجاه نبيك، فإذا قيل لهم: هذا التوسل غير مشروع، قالوا: بل هذا توسل صحيح ومشروع، ولكن أنتم تكرهون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -نعوذ بالله- ولو لم تكونوا تكرهونه لكنتم تتوسلون به إلى الله، لأنه هو أعظم وسيلة.
فنقول: أما كونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم واسطة بين الله تعالى وبين عباده فلا شك عندنا في ذلك، ولكنه واسطة بلاغ، أما كونه واسطة عبادة لا ترفع إلى الله إلا عن طريقه، فهذا هو دين النصارى واليهود والمشركين.
أما دعاؤه فهو شرك، وأما دعاء الله بجاهه أو بذاته، فبيننا وبينكم الدليل، وبيننا وبينكم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلم يكن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتوسلون إلى الله بجاه أو ذات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يقولون: نسألك بمحمد، أو يا رب نسألك بجاه نبيك، وهذه الأدلة بين أيدينا، ونذكر دليلاً واحداً صحيحاً لا شك عندنا وعند أهل البدع في صحته، وهو الاستسقاء.
فقد استسقى الصحابة رضي الله عنهم في زمن عمر بن الخطاب وخرجوا للاستسقاء وكان عمر رضي الله عنه معهم فقال: [[اللهم إنا كنا نتوسل إليك بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآن نتوسل إليك بعم نبيك، يا عباس! قم فادع الله]] فقام العباس فدعا وأمَّن المسلمون.
فإذا قال المخالف: هذا دليل على أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقولون: اللهم إنا نسألك بنبيك.
قلنا: هذا الدليل هو دليلنا نحن عليكم، وليس كما تفهمون، لأنه إن كان المقصود جاهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن جاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يموت بموته؛ لأن جاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الله عظيم، ومنزلته عند الله عظيمة، في حياته وبعد مماته.
وإنما عدل الصحابة عن التوسل به إلى التوسل بعمه، وذلك لأن المقصود أنه في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي يدعو لهم وهم يخرجون معه، والآن بعد موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عمه العباس يدعو لهم.
وهذا واضح والحمد لله، وشبهتهم داحضة.
فالصحابة رضي الله عنهم علموا أنه بموت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبح لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا يستطيع أن يدعو لأحد كما كان في حياته، حيث كانوا يأتون إليه ويقولون: ادع الله -يا رسول الله- ليفرج عنا، كما جاءوا إليه وهو في ظل الكعبة وقالوا: يا رسول الله! إن قريشاً قد آذونا، فادع الله لنا.
أما بعد موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم يأتون إلى من رأوا فيه الصلاح، وهكذا المسلمون في أي وقت من الأوقات لو كانوا يريدون الاستسقاء أو غيره، فإنهم يذهبون إلى من فيه الخير والصلاح من عباد الله، من أهل الفضل والدعوة، ويقولون: ادع الله لنا أن يسقينا، وهذا هو المشروع، وليس فيه توسل لا بالذات أو بالجاه.
فإذاً التوسل أو دعاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بحق فلان، أو بجاه فلان، هو توسل بدعي، أي: ليس مشروعاً، لأنه لو كان مشروعاً لما كان بدعياً، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وليس هو شركاً؛ لأنه دعا الله، لكن لو قال: يا حسين! يا علي! يا عباس! فإنه يكون شركاً.
فهذه هي أنواع التوسل الثلاثة: الشرعي والبدعي والشركي، وعرفنا أن من يدعون ويعبدون من دون الله، من الأنبياء والصالحين هم أنفسهم كانوا يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد قال تعالى فيهم: (( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ )) [الإسراء:57].